نكات عبر فضائيات .. تثير تساؤلات .. !

اخلاص القاضي - استهجن فتى في الثانية عشرة من عمره ما يبث عبر فضائيات عربية من برامج يقال انها مسلية تبث ( نكات ) تخدش الحياء العام .وكان ذلك الفتى قد وعد نفسه بان يشاهدها تحت طائلة الحاح زملاء له في المدرسة ممن اشاروا عليه بضرورة متابعتها لما تحمل من مضامين جديدة تحاكي ( العصرنة والتطور ) وفق منظورهم القاصر عن فهم اجندات ما وراء تلك البرامج وفقا لمعنيين .
ومن اللافت اصرار بعض الفتيان والمراهقين على متابعة برامج ظاهرها مسل وباطنها خطير, تبدأ في اوقات تتزامن ومواعيد نومهم استعدادا للنهوض للمدرسة في اليوم التالي , بيد ان الوقت يمضي وتستمر ( السهرة ) حتى ساعة متأخرة من الليل هي موعد انتهاء تلك البرامج .
واذا كانت الضحكة مطلبا والفرح هدفا في زمن ضيق فيه الوضع الاقتصادي والمعيشي الخناق على الكثير من الناس , فان ذلك يمكن ان يأتي بقالب اكثر تهذيبا كما يقول المهندس رمزي الذي يعمل في احدى محال بيع الاجهزة الالكترونية , مضيفا : « نحن لسنا متخلفين عن ركب الحضارة ولكننا نريد الحضارة الحقيقية المنبثقة عن عاداتنا وتقالدينا لا ان تهبط علينا بالبراشوت من رياح غربية « .
والمفارقة ان تلك البرامج لاقت رواجا غير مسبوق في اوساط الناس وكأنها اتت بوقت مبرمج وفقا للخمسينية عبير التي تعمل في احد مراكز التجميل , و تقول « انا لست ضد كل ما يبث عبر تلك البرامج , بل ان من بينها نكات لطيفة تستثير ضحكنا الذي ودعناه منذ حين بسبب الظروف الحياتية والمعيشية « على حد حزنها .
يقول رائد 12 سنة : « في اليوم الذي يلي بث هذه البرامج الكثير من زملائي في الصف لا يتمتعون بالنشاط الكافي , ويعانون من النعاس , فيما يتناقلون في اوقات الفراغ ما سمعوه من نكات يفهمون بعضها ويرددون بعضها الاخر بلا ادراك « .
ويفاوض يزن 14 عاما والدته التي تصر على نومه المبكر , على انه مقابل تأديته لواجباته الدراسية بجد واجتهاد ان تدعه يشاهد برامج النكات هذه لانه لا يريد ان يتحدث بها زملاؤه الطلبة دون ان يكون قد علم بها مسبقا , في الوقت الذي تسمح له فيه والدته بان يشاهد جزءا بسيطا فقط من البرنامج ليحافظ على موعد نومه المبكر .
تقول ام يزن انها لا تستطيع منع ابنها عن برنامج يبث عبر فضائيات ويعاد في ايام تالية في اوقات من النهار , كما انه وفي زمن الانترنت و ( اليوتيوب ) فان المنع يأتي ضربا من محاولة سجن الابناء عن فضاء مفتوح بلا طائل , « فانا مع ان يعرف ابناؤنا عن كل شيء ولكن وفقا لتوجيه من الاهل وتربية قويمة ومتابعة حثيثة وبخاصة من قبل الوالدين « .
ولا تكتف تلك الفضائيات ببث هذه البرامج عبر التلفزيون بل ان لها ذراعا اخرى عبر مواقع الكترونية تابعة لها كنوع من توسيع اطار المشاركة في نكات لا تلتزم بالحد الادنى للحياء العام , اذ يقوموا باغراء من يدلي بدلوه ( بنكتة ) ما , من خلال جوائز او اعطائه فرصة اذاعة نكتته على الهواء او استضافته في احد (استوديوهات هذه البرامج ).
وتركز هذه البرامج التي تذاع يومين في الاسبوع ويعاد بثها في ايام لاحقة على الحديث عن الذين يتعاطون الحشيش وسط ترديد الجماهير المحتشدة في الاستوديو لكلمة ( حشيش ) بصوت عال كلما هم احدهم بالحديث عن احد ( المحششين ) وكأن الهدف غير المعلن هو الترويج للحشيش في الوقت الذي يدافع فيه مذيع البرنامج عن هذه التهمة التي ربما وصلت اليهم عبر التعليقات الالكترونية مؤكدا غير مرة « اننا بطريقة عرضنا لنكات عن الحشيش انما نستهزىء بمن يمارسون ذلك « .
ويحاول عبثا القائم على تلك البرامج ايهام المشاهدين بانه يسيطر على الالفاظ البذيئة التي تطلق عبر النكات باستخدام ( زامور ) يقصد به التغطية عليها ولكن الواقع ان ذلك الزامور يطلق بعدما تكون الكلمة غير المهذبة والغريبة قد انطلقت كالرصاص الذي لا يمكن اعادته الى قلب المسدس وفقا لاحدى المتابعين من الذين يروق لهم البرنامج شريطة ان يتابعه وحده , على حد قوله .
تقول المتخصصة في علم النفس الدكتور وجدان الكركي ان الاعلام يلعب دورا كبيرا في تشكيل القيم والاتجاهات , كما يعمل على تغذية اللاوعي وبرمجته بالسلوك مشيرة الى ان ذلك النوع من البرامج تعمل على قلب مفاهيم تربوية رغم ان ظاهرها يفيد بانها مسلية ومضحكة .
وتضيف : ان الغريب ان تلك البرامج تلاقي رواجا غريبا وتداولا بالحديث عنها بين الناس ما يستلزم تفعيل دور الاهل والتأكيد على الدور التربوي والتوجيهي لهم لجهة محاولات ابعاد اطفالهم عن متابعتها , متسائلة لماذا لا تعمد الاسر التي تشكو من خطورة تلك البرامج الى تشفير هذه القنوات حفاظا على صحة اطفالهم النفسية ؟
وتحذر الدكتورة الكركي من مغبة تعويد الجيل على التخلي عن الحياء العام في سرد النكات مذكرة بان الحياء من الايمان , وان الطفل اذا تعلم على ان خدش الحياء امر اعتيادي فانه من الصعوبة بمكان تعديل سلوكه في المستقبل الامر الذي يؤكده رجال دين اشاروا الى ان تلك البرامج مدمرة للنشء , وتنأى به عن المفاهيم والتعاليم الدينية السليمة والمقومة للاعوجاج .
رئيس قسم علم النفس في جامعة مؤته الدكتور نبيل النجار يقول ان الاهداف المدمرة للبرامج التي تبث عبر فضائيات لا تتعلق ببرامج النكات فقط بل انها تأتي في سياق خطة مبرمجة لتعديل اتجاهات الجيل واغرائه بان الموسيقى والرقص والتسابق على الحصول على جسم رشيق وعرض الازياء وغيرها هي اولويات وضروريات للحياة , وبهذا فان برامج النكات لاتنفصل كثيرا عما يبث ويشاهد , بل انها افراز طبيعي لطريقة تفكير القائمين على الفضائيات والذين يعنيهم اولا واخيرا استمرار تدفق اموال المعلنين بصرف النظر عن البرنامج الذي يبث الاعلان عبره .
وعلى الرغم من ان علماء النفس يذهبون الى ان الضحك هو احد اساليب واليات علاج الاكتئاب , الا انه وعندما يأتي في اطار يخدش الحياء العام ويروج للحشيش وللعلاقات المحرمة فانه ربما لا يلبي الهدف المنشود منه , وفقا للدكتور للنجار الذي يطالب بدوره فضائيات اخرى بتعزيز دورها القيمي والارشادي عبر برامج راقية تحاكي العادات الشرقية وتركز على تعاليم الدين الحنيف لترد من جهتها على ما اسماه هجمة فضائيات تترجم ربما دون ان تعلم اهدافا ترمي الى تكريس كل ما غريب او مستهجن مستدركا : ولكن الخوف الكبير يكمن في انها حقيقة تعلم .