قواعد وأسس أبحاث الإعجاز العلمي:
تقوم الأبحاث في الإعجاز العلمي على قواعد يمكن إيجازها فيما يلي:
? علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ، ولا يشوبه نقص ، وعلم الإنسان محدود ويقبل الازدياد ومعرض للخطأ.
? هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية.
? في الوحي نصوص ظنية في دلالتها ، وفى العلم نظريات ظنية في ثبوتها.
? لا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي ، فإن وقع في الظاهر ، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما وهذه قاعدة جليلة قررها علماء المسلمين وقد آلف ابوالعباس ابن تيمية كتاباً من أحد عشر مجلداً لبيانها تحت عنوان
درء تعارض العقل والنقل).
? عندما يرى الله عباده آية من آياته في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله(صلى الله عليه وسلم) يتضح المعنى ، ويكتمل التوافق ويستقر التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز.
? أن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة فقد قال(صلى الله عليه وسلم) :" بعثت بجوامع الكلم"((أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى )) مما يدل على أن النصوص التي وردت عن النبي(صلى الله عليه وسلم) تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتابع في ظهورها جيلاً بعد جيل.
? إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شئ علماً. وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلاً على صحة تلك النظرية وإذا كان النص ظنياً والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها.
? وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية، وبين حديث ظني في ثبوته ، فيؤول الظني من الحديث ليتفق مع الحقيقة القطعية وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.
منهجية أبحاث الإعجاز العلمي في ضوء منهج السلف وكلام المفسرين:
? للسلف منهج سديد فيما يتعلق بأمر الصفات الإلهية وأحوال يوم القيامة وما لا سبيل إليه من غير طريق الوحي ويتمثل هذا المنهج في الوقوف على ما دلت عليه النصوص بدون تكلف لمعرفة الكيفيات والتفاصيل التي لم يبينها الوحي لأن البحث فيها كالبحث في الظلام.
? وكلام الخالق سبحانه عن أسرار خلقه في الآفاق وفى الأنفس غيب قبل أن يرينا الله حقائق تلك الأسرار ولا طريق لمعرفة كيفياتها وتفاصيلها قبل رؤيتها، إلا ما سمعنا عن طريق الوحي.
? وكان السلف لا يتكلفون ما لا علم لهم بها حيث كانت بعض الآيات المتعلقة بالأمور الغيبية ودلالتها اللغوية معلومة ولكن الكيفيات والتفاصيل محجوبة
? إن من وصف حقائق الوحي الكونية بدقائقها وتفاصيلها بعد أن كشفها الله وجلاّها للأعين غير من وصفها من خلال نص يسمع ، ولا يرى مدلوله الواقعي لأن وصف من سمع وشاهد غير من سمع فقط.
? ولقد وفق السلف الصالح من المفسرين كثيراً في شرحهم لمعنى الآيات القرآنية رغم احتجاب حقائقها الكونية ، مع أن المفسر الذي يصف حقائق وكيفيات الآيات الكونية في الآفاق والأنفس وهي محجوبة عن الرؤية في عصره قياساً على ما يرى من المخلوقات وفى ضوء ما سمع من الوحي ، يختلف عن المفسر الذي كشفت أمامه الآية الكونية فجمع بين ما سمع من الوحي وبين ما شاهد في الواقع.
? ونظراً لعدم خطورة ما يتقرر في مجال الأمور الكونية على أمر العقيدة يوم ذاك لم يقف المفسرون بها عند حدود ما دلت عليه النصوص بل حاولوا شرحها بما يسر الله لهم من الدراية التي تيسرت لهم في عصورهم وبما فتح الله به عليهم من إفهام. ،
? وكانت تلك الجهود العظيمة التي بذلها المفسرون عبر القرون ، لشرح نصوص الوحي المتعلقة بالأمور الكونية - التي لم تكشف في عصرهم - مبينة لمستوى ما وصل إليه الإنسان من علم ، في تلك المجالات ومبينة لمدى توفيق الله لهؤلاء المفسرين فإذا ما حان حين مشاهدة الحقيقة في واقعها الكونى ظهر التوافق الجلى بين ما قرره الوحي وما شاهدته الأعين وظهرت حدود المعارف الإنسانية المقيدة بقيود الحس المحدود والعلم البشرى المحدود بالزمان والمكان وازداد الإعجاز تجلياً وظهوراً. وكتب الله التوفيق للمفسرين فيما شرحوه من آيات وأحاديث متعلقة بأسرار الأرض والسماء بفضل اهتدائهم بنصوص الوحي المنزل ممن يعلم السر في الأرض والسماء ، ومسترشدين بما علم لهم من دلالات الألفاظ ومعاني الآيات.
أوجه الإعجاز العلمي :
وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يلي :
1- التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة ، وبين ما كشفه علماء الكون أمثال البروفسور كيث ل . مور وهومن أشهر علماء العالم في علم الأجنة وكتابة في علم الأجنة مرجع عالمى مترجم إلى سبع لغات منها الروسية واليابانية والصينية والذي جاء بعد اقتناعه بأبحاث الإعجاز العلمي ألقى محاضرة في ثلاث كليات طبية بالممكلة العربية السعودية عام (1404هـ)بعنوان (مطابقة علم الاجنّة لما في القرآن والسنة) من حقائق كونية وأسرار كونية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن.
2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في اجيالها المختلفة من أفكار باطلة حول أسرار الخلق مثل ما كان شائعاً بين علماء التشريح من أن الولد يتكون من دم الحيض واستمر ذلك الاعتقاد إلى أن اكتشف المجهر في القرن السادس عشر الميلادي بينما نصوص القرآن والسنة تقرر أن الولد يتكون من المنى وقد رد علماء المسلمين من أمثال الأمام ابن القيم والأمام ابن حجر وغيرهم أقوال علماء التشريح في عصورهم بنصوص الوحي وذلك مثل ما قاله ابن حجر وزعم كثير من أهل التشريح أن منى الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك(الفتح : 11/480).
3- إذا جمعت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر فتتجلى بها الحقيقة مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقه في الزمن وفى مواضعها من الكتاب الكريم وهذا لا يكون إلا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
4- سن التشريعات الحكيمة التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القرآن وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات مثلما كشفه العلم حديثاً من الحكمة في تحريم أكل لحم الخنزير والاعتزال المقصور على الجماع في المحيض ويسألونك عن المحيض{ قل هو أذى آفاعة النساء في المحيض} (البقرة:222).
5- عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة التي تصف الكون وأسراره على كثرتها ، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها، مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات ووجود الصدام بين العلم وبين ما قررته سائر الأديان المحرفة والمبدلة .
6- تنبيه وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي الذي تسفر فيه النصوص عن معاني لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضح تفسيرها.
- إن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية .
- - ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية .
- - ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً .
- - وهو مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع أخر أو دل عليه صحيح السنة .
- - وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة ، وحدود الشريعة والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله.
- - مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب فكتاب الله اعظم من ذلك.
- أهمية أبحاث الإعجاز العلمي وثمارها:
1- امتداد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية . إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم كثيراً من المعجزات ، فإن الله أرى أهل هذا العصر معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم ، ويتبين لهم بها أن القرآن حق ، وتلك البينة المعجزة هي : بينة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، وأهل عصرنا لا يذعنون لشيء مثل إذعانهم للعلم ، على اختلاف أجناسهم وأديانهم.
2- تصحيح مسار العلم التجريبي . لقد جعل الله النظر في المخلوقات ، الذي تقوم عليه العلوم التجريبية طريقاً إلى الإيمان به ، وطريقاً إلى الإيمان برسوله ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه ، وسفهوا طرقه ، واضطهدوا دعاته ، فواجههم حملة هذه العلوم التجريبية ، بإعلان الحرب على تلك الأديان ، فكشفوا ما فيها من أباطيل ، وأصبحت البشرية في متاهة ، تبحث عن الدين الحق ، الذي يدعو إلى العلم ، والعلم يدعو إليه . أن بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم ، ووضعه في مكانه الصحيح ، طريقاً إلى الإيمان بالله ورسوله ، ومصدقاً بما في القرآن ، ودليلاً على الإسلام .
3- تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية ، بدوافع إيمانية. أن التفكير في مخلوقات الله عبادة ، والتفكير في معاني الآيات والأحاديث عبادة ، وتقديمها للناس دعوة إلى الله . وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين على اكتشاف أسرار الكون بدوافع إيمانية تعبر بهم فترة التخلف التي عاشوها فترة من الزمن في هذه المجالات . وسيجد الباحثون المسلمون في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته ، أدلة تهديهم أثناء سيرهم في أبحاثهم ، تقرب لهم النتائج ، وتوفر لهم الجهود.
واجب المسلمين إذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين ، ودفع الفتن التي ألبسها الإلحاد ثوب العلم . عن بلاد المسلمين ، وفى دعوة غير المسلمين ، وفى فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة ، وفى حفز المسلمين للاخذ بأسباب النهضة العلمية ، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفآيات . وصدق الله القائل : " { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } (البينة :1)